{وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (49)}.التفسير:فى قوله تعالى: {وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} تعقيب على ما في الآيات السابقة، من دعوة الناس إلى اللّه على لسان رسله، وأمهل اللّه- سبحانه- للمكذبون منهم، وأخذهم بالبأساء والضراء حينا، وبالنّعماء والسراء حينا آخر. وذلك ليكون لهم في أنفسهم نظر، ولهم إلى اللّه رجعة، حتى إذا بلغ بهم الكتاب أجله، ولم تنفعهم الآيات والنّذر، أخذهم اللّه بعذاب بئيس، وأوردهم موارد الهالكين.وفى هذه الآية، بيان لموقف الرسل ممن أرسلوا إليهم.. فما للرسل سلطان على الناس، أن يؤمنوا أو يضلّوا، وإنما هم دعاة إلى الخير والهدى، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها.. وليس الرسل كذلك، هم الذين يملكون العفو والمغفرة، أو يسوقون العذاب والهلاك للمعاندين والمشركين، فذلك إلى اللّه وحده، لا يملكه أحد غيره، وما على الرسل إلا البلاغ.وقوله تعالى: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} هو بيان لأثر من آثار الرسل في الناس، وأن هناك في الناس من يهتدى بهم، ويؤمن باللّه عن طريقهم.. وهؤلاء الذين اتبعوا الرسل وآمنوا باللّه، وعملوا الصالحات، قد فازوا وسعدوا، وأمنوا من هول يوم القيامة، ولم يقع في نفوسهم حزن وحسرة على فائت فاتهم من حظوظ لدنيا، وخير الآخرة.فما فاتهم في الدنيا مما كان يعدّه المشركون باللّه نعيما استهلكوا فيه أنفسهم، هو رذل خسيس إلى جانب النعيم المقيم المعدّ لهم في جنات الخلد، أما خير الآخرة فلم يفتهم منه شىء.فقد آمنوا باللّه، وهذا هو رأس كل خير.. ثم هداهم الإيمان إلى الأعمال الصالحة، التي ترضى اللّه الذي آمنوا به، وتدخلهم في جنّاته.وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} هو كشف للوجه الآخر من دعوة الرسل، وأنه إذا آمن بهم كثير من الناس، فقد كفر بهم كثير من الناس أيضا.. ولكل من المؤمنين والكافرين حسابه وجزاؤه.وقد بينت الآية السابقة عاقبة المؤمنين وجزاءهم، وأنه لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون.وأما الذين كفروا وكذبوا بآيات اللّه، فأولئك {يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ}.والفسوق، هو الخروج، يقال فسق الفرخ من البيضة: إذا خرج منها، والفاسق هو من يخرج عن حدود اللّه، وفى هذا يقول اللّه تعالى عن إبليس {إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}.وفى قوله تعالى: {يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ} إشارة إلى أن عذاب اللّه شديد لا يطاق، وأن مسّة من هذا العذاب، تحيل حياة من تصيبه إلى شقاء دائم، وبلاء متصل.. نعوذ باللّه من عذاب اللّه.